|
|
الباب الثاني: التطور التاريخي
|
|
|
|
ثالثًا: القبائل العربية أ - قبيلة كندة:
تعد هذه القبيلة من أكبر قبائل الجزيرة العربية، وكان ظهورها في جنوب الجزيرة العربية في القرون السابقة للميلاد، حيث استقرت في جنوب وادي الدواسر، واتخذت من قرية ذات كهل حاضرة لها، وازدهرت في هذه المرحلة وأصبحت حاضرتها مركزًا تجاريًا كبيرًا، لكن تعرضها للعديد من الحروب على يد ملوك سبأ وذي ريدان أدى إلى ضعفها وتفككها وانتقال جزء كبير منها إلى حضرموت في جنوب الجزيرة، وكانت خاضعة للملك الحِمْيري شمريهرعش الثالث في القرن الثالث الميلادي، وأصبحت هذه القبيلة جزءًا من قوات هذا الملك، كما يظهر من حملته إلى شرق الجزيرة للمزيد عن كندة في جنوب الجزيرة، انظر: عبدالرحمن الطيب الأنصاري، قرية الفاو: صورة للحضارة العربية قبل الإسلام في المملكة العربية السعودية، (الرياض: جامعة الرياض، 1377 هـ / 1402م). .
وظهرت كندة وسط الجزيرة العربية، وكان انتقالها إلى هذه المنطقة تنفيذًا لسياسة ملوك حِمْير من التبابعة الذين رغبوا في السيطرة على قبائل معد وقبائل وسط الجزيرة وشمالها، ورغبتهم في إيجاد قوة سياسية قوية تقف في وجه النفوذ الفارسي من جهة، والروماني من جهة أخرى، وهم في ذلك حاكوا كلاً من الدولتين الفارسية والرومانية اللتين شجعتا على قيام دويلات عربية على حدودهما لحماية تلك الحدود وللسيطرة على القبائل العربية، مثل: إمارة الحيرة في الجانب الفارسي، وإمارة الغساسنة على الحدود الرومانية، وقد تم هذا الانتقال في النصف الثاني من القرن الخامس الميلادي Op.Cit. Olinder, G. p. 37. . وقد اختلفت الروايات في اسم الملك الحِمْيري الذي كان وراء هذا الانتقال، فمنها من يقول إن الملك أب كرب أسعد وهو في طريقه إلى العراق نـزل أرض معد فعين عليها حجرًا آكل المرار، ومن تلك الروايات ما يذكر من أن ابنه التبع حسان هو الذي وطن كندة في نجد، وعين حجرًا ملكًا على قبائل وسط نجد علي، جواد. المفصّل، مرجع سابق، 312 - 322. . ومما يؤيد أن كندة كانت تابعة لتبابعة حمير ما ورد في رواية الأزرقي، أن "كندة كانوا ملوك العرب من ربيعة ومضر، وكانت كندة من أرداف المقاول" أبو عبدالله محمد بن إسحاق الفاكهي، أخبار مكة في قديم الدهر وحديثه، تحقيق: عبدالملك بن عبدالله بن دهيش. ط2، (بيروت: دار خضر، 1414 هـ / 1994م)، جـ5، 20. ، والمقصود بالمقاول هم تبابعة حمير. وقد حكم كندة في موطنها الجديد عدد من الملوك وصلتنا أخبار خمسة منهم Op. Cit. Olinder, G. The Kings of Kinda. p. 34. ، وقد عمل هؤلاء الملوك على فرض سيطرتهم على قبائل وسط الجزيرة العربية وشمالها، كما أن نفوذهم انطلق لكي يشمل مناطق واسعة داخل الجزيرة وخارجها. وكان أول ملوكهم حجر آكل المرار، الذي قيل إنه وحد بين كندة وربيعة، ثم حارب بهم ملوك لخم حكام الحيرة واستخلص منهم أرض بكر بن وائل .Ibid. Olinder, G. The Kings of Kinda. p. 42. . ومن ملوكهم الحارث بن عمر بن حجر الكندي، الذي يعد أقوى ملوك كندة في هذه المرحلة، وقد تمكن أمراء من أبناء الحارث الكندي من مهاجمة بلاد الشام الخاضعة في ذلك الوقت للبيزنطيين؛ ما دعا الإمبراطور انستاسيوس إلى عقد معاهدة مع الحارث في عام 502م تنص على تنصيب الحارث فيلارخًا حاكمًا باسم القيصر على العرب مقابل توقف الحارث عن مهاجمة أراضي الشام، وأن يكون حليفًا لهم ضد ملوك الحيرة والفرس Shahid, Irfan. ''Byzantium and Kinda'' Byzantum and the Semtic Orient befor the Rise of Islam. IV London: Variorum Reprints. 1988. p. 57. . كما تمكن الحارث من مد نفوذ كندة إلى الحيرة حيث استولى عليها وحكمها ثلاث سنوات في عهد الملك الساساني قباذ، وكان يحكم الحيرة آنذاك المنذر الثالث بن ماء السماء، الذي تمكن من طرد الحارث واستعاد ملكه، ثم تتبع الحارث إلى داخل الجزيرة العربية وشتت ملكه، وبعد وفاة الحارث ضعفت كندة، وكان قد أسند حكم القبائل إلى عدد من أبنائه، فجعل ابنه حجرًا على أسد وكنانة، ومواطنها بطن وادي الرمة علي، جواد. المفصل، مرجع سابق، 349. ، كما جعل ابنه سلمة على بني تغلب وبكر بن وائل، وجعل معد يكرب ملكًا على بقية قيس عيلان، وجعل شرحبيل على بني عامر، وجعل المحرق بن الحارث على تميم وضبة أبو الحسن علي بن محمد بن الأثير، الكامل في التاريخ. ط3، (بيروت: دار الكتاب العربي، 1400 هـ / 1980م)، جـ1، 305؛ Op.cit, Olinder. P. 71 .
وقد دار بين كندة وعدد من القبائل خارج الجزيرة وداخلها حروب كانت من أشهر أيام العرب، وكان من تلك الأيام معارك دارت رحاها في منطقة القصيم، ومنها على سبيل المثال: 1 - يوم البردان:
دار القتال فيه بين حجر بن عمرو الكندي وزياد بن الهبولة بن عمرو القضاعي أبو عبيدة معمر المثني التيمي، أيام العرب قبل الإسلام، تحقيق: عادل جاسم البياتي، (بيروت: عالم الكتب، 1407 هـ)، جـ2، 36؛ ابن الأثير، أبو الحسن علي بن محمد. الكامل في التاريخ، مرجع سابق، جـ1، 305. ، ويعتقد أن مكانه قرب ضرية في القصيم العبودي، محمد بن ناصر. المعجم الجغرافي، مرجع سابق، جـ4، 1411. . 2 - يوم القصيم:
دار القتال فيه بين قبائل القصيم وغيرها من القبائل الجار الله، عبد العزيز. الاستيطان والآثار، مرجع سابق، 30. . 3 - يوم كلاب الأول:
وقع هذا اليوم بين أبناء الحارث بن عمرو الكندي بعد وفاة والدهم، وكان الصراع بين شرحبيل بن الحارث الذي كان أميرًا على بكر بن وائل وبني حنظلة، وأخيه سلمة بن الحارث أمير قيس عيلان، وقد شاركت في هذا اليوم مجموعة من القبائل، مثل: تغلب، وبطون بكر بن وائل وتميم وقيس التيمي، أبو عبيدة معمر. أيّام العرب قبل الإسلام، مرجع سابق، جـ2، 49، 50. ، والكلاب ماء يقع بين جبلة وشمام على بعد سبع ليالٍ من اليمامة، ويرى العبودي أن جبلة تقع جنوب غرب القصيم قرب قرية نفي العبودي، محمد بن ناصر. المعجم الجغرافي، مرجع سابق، جـ2، 703 - 708. . 4 - يوم خزاز:
وقع هذا اليوم بين قبائل معد بقيادة سلمة بن الحارث ملك كندة وأمراء تغلب، وبكر بن وائل من جهة، وبين القبائل القحطانية من مذحج وحلفائها من جهة أخرى، وانهزمت فيه القبائل اليمانية، ويعد من أعظم المعارك التي دارت في الجاهلية وفيه استنصفت معد الشمالية من القبائل اليمانية التيمي، أبو عبيدة معمر. أيام العرب قبل الإسلام، مرجع سابق، جـ2، 29 - 34. ، وقد اختلفت الروايات في الأطراف المتحاربة، فبينما ذكر التيمي أن قبائل معد كانت بقيادة ملك كندة ضد القبائل اليمانية، لكن هذا لا يتفق مع كون ملوك كندة في الأصل هم أتباع لملوك اليمن؛ لذا فالأقرب للصحة هو أن سلمة حين خرجت عن طاعته بنو تغلب قاد جموعًا من القبائل اليمانية ضد بني معد وكانوا بقيادة كليب بن وائل، وهناك من يرى أنها بين المنذر بن ماء السماء ملك الحيرة ومعه بنو تغلب وقضاعة، وبين ملوك كندة وبكر بن وائل حول هذه الآراء، انظر: علي، جواد. المفصل، مرجع سابق، جـ3، 354 - 356. . وخزاز جبل يقع بالقرب من جبال متالع وكير في طخفة جنوب غرب القصيم، على بعد 49كم جنوب الرس العبودي، محمد بن ناصر. المعجم الجغرافي، مرجع سابق، جـ3، 889 - 903. .
|
السابق
التالي
|
|
|
|
|
|
|
|