أولاً: فترة حضارة العُبيد

تعد حضارة العُبيد امتدادًا للعصور الحجرية الحديثة في المنطقة الشرقية، وقد عرفت بحضارة العُبيد نسبة إلى تل العُبيد في جنوب بلاد الرافدين، وانتشرت مراكز هذه الحضارة في عدد من المناطق في الشرق الأدنى؛ بما في ذلك الأجزاء المحيطة بالخليج العربي، وتمثل حضارة العُبيد الفترة الانتقالية بين العصر الحجري الحديث وفجر التاريخ، وعلى الرغم من أن أول اكتشاف لهذه الحضارة تم في جنوب وادي الرافدين، ثم في فارس، وشبه الجزيرة العربية، فإن أعمال التنقيب الأثرية في المنطقة الشرقية دفعت بعض المؤرخين والآثاريين إلى التشكيك في صحة نسبة هذه الحضارة إلى سكان جنوب العراق، إذ يعود أقدم آثار حضارة العُبيد في العراق إلى نحو 4000 ق.م، في حين يمكن إرجاع المعالم الرئيسة لهذه الحضارة في المنطقة الشرقية إلى نحو 5000 ق.م، وذلك في مواقع عين قناص، والدوسرية وغيرها من المواقع الآثارية في المنطقة الشرقية.

وأقدم أنواع الفخار المميز لحضارة العُبيد عُثر عليه في موقع الدوسرية جنوب مدينة الخبر، وتدل المعثورات الآثارية على أن ذلك الموقع قد هُجر منذ نحو 4200 سنة قبل الميلاد هشام الصفدي، وآخرون، الدليل الأثري والحضاري لمنطقة الخليج العربي، (بيروت: مكتب التربية العربي لدول الخليج، 1408هـ)، 231 - 243؛ الراشد، سعد عبدالعزيز، وآخرون. آثار المنطقة الشرقية، مرجع سابق، 43 - 46، 56، 57. .  

وعلى الرغم من قدم مواقع حضارة العُبيد في المنطقة الشرقية فإنها لم تُجارِ مثيلاتها في جنوب العراق في صناعة الأواني النحاسية أو استخـــدام الأســـاليب الزراعية الحديثة، واستمرت ثقافاتهم امتدادًا لثقافات العصر الحجري الحديث مع التميز في صناعة الأواني الفخارية الصفدي، هشام، وآخرون. الدليل الأثري والحضاري لمنطقة الخليج العربي، مرجع سابق، 241، 242. .  

ومع بداية الألف الثالث قبل الميلاد شهدت المنطقة تطورًا كبيرًا في الاستيطان وقيام المستوطنات الكبيرة، وبخاصة في المناطق الساحلية بين الخبر والدمام وفي جزيرة تاروت، وتظهر آثار الاستيطان في أساسيات المباني التي كشفت عنها أعمال التنقيب في حفريات قلعة تاروت
قلعة تاروت المصري، عبدالله حسن، ما قبل التاريخ في شرق المملكة العربية السعودية وشمالها ، دراسات تاريخ الجزيرة العربية، مرجع سابق، 86. .