ثالثًا: شعر المراد
شعر الرد (المراد)

قوام شعر المراد شاعران يتقابلان على الحلبة، وهما قطبا اللعبة، ومع كل منهما مجموعة من الرجال يرددون البيت الذي يقوله الشاعر، ويقفون صفًا متراصًا متماسكي الأيدي والشاعر واقف أمامهم، ويبدأ الشاعر بالبيت الأول موجهًا كلامه للشاعر الثاني، كأن يثني عليه في بداية الأمر ثم يدخل إلى الموضوع، وربما نعته ببعض النعوت للمداعبة، ويردد - ومن معه - البيت نفسه مرة أو مرتين أو أكثر، ثم يرد الشاعر الثاني ورفاقه البيت مرة أو مرتين أو أكثر، ثم يرد الشاعر الثاني ببيت من القافية نفسها والبحر نفسه يرد فيه على ثناء الشاعر الأول أو يفند ما زعمه فيه من مثالب، وعادة ما تكون من التشبيهات المبهمة على سبيل الدعابة، ويستمر رفاقه بترديد ما جاء به، ويرد عليهم الشاعر الأول ورفاقه، وهكذا يستمر الوضع حتى يعجز أحد الشاعرين عن الرد على صاحبه، أو يأتي أحدهما ببيت يُعد بمثابة الضربة القاضية على الخصم بحكم الحضور.

وشعر المراد رياضة ذهنية للشاعر؛ فهو يبين قوة الذكاء وسرعة البديهة، وإجادة سبك البيت، واختيار أقوى المعاني التي توقف الشاعر الخصم، وهو كذلك مجال فسيح لأن يدخل فيه من يرى في نفسه الكفاءة والقدرة على مقارعة الخصم، وهو مجال لتجارب الناشئين والراغبين في ارتياد هذا النوع من الفن الشعبي. وتُعقد حلقات هذا اللعب في المناسبات مثل الأعراس والأعياد وغيرها، وتتم في الميادين الفسيحة وخارج المنازل، وربما في النـزهات خارج المدن والقرى متى توفر العدد الكافي من الجمهور والشعراء، ولا يوجد في هذه اللعبة طبول، وإنما يُسْتعَاض عنها بالتصفيق على إيقاع أبيات القصيدة. وعادة تكون القصيدة من الإيقاع المسحوب ذي المواقف الحادة، وعلى هذه المواقف يتم تصفيق الأكف بإيقاع واحد. ويصاحب الإيقاع تمايل للصفين المتقابلين يمينًا ويسارًا، وُتَثنى الرُّكبُ قليلاً ثم تُعَدَّل مع تصفيق الأكف المتوافق مع إيقاعات الأبيات التي تتدفق بها الحناجر بكل حيوية وتحفُّز إلى معرفة رد الشاعر الخصم على هذا البيت الذي يجري التغني به الآن. ويقف كل شاعر في صفه وهو يستجمع أفكاره لتحضير الرد المناسب، وسبك البيت القوي واختيار المعنى الملائم، ومن أتم ذلك رفع صوته ملقنًا أصحابه البيت الذي فرغ من نظمه لتوه فيرفعون أصواتهم به، وعندما ينتصر أحد الطرفين على الآخر ويعجز الخصم على الرد أو تُسَدُّ عليه المنافذ يدوّي التصفيق من الجانبين والحضور جميعًا، ثم تُعلن نهاية القصيدة بروح ودية.

ومن الأبيات التي تجري في حلقات المراد ما يأتي:

الأول:

بعض  السـلع لـو تنجـلب مـا تسَام		والغالية  تنخـطب وهـي بديارهـا السويداء، عبدالرحمن بن زيد. نجد في الأمس القريب، مرجع سابق، 236 - 240.