ثالثًا: الزواج في البادية

يتعرف الشاب في البادية على خطيبته في ظروف الحل والترحال وأثناء النجعات القريبة منها والبعيدة، والتقاليد البدوية تقضي بأن يتزوج الفتى فتاة من بنات أعمامه، إذ من المسلَّم به لدى البادية قاعدة عامة هي أن بنات الأعمام لبني أعمامهن، ولا يشذ عن هذه القاعدة أحد. وإذا رفضت الفتاة الاقتران بابن عمها يحيرها؛ ومعنى (المحيرة) هو أن ابن عمها يقول: إني محير ابنة عمي فلانة، وهذا يعني أنه منعها بتاتًا من أن تنكح رجلاً غيره، فعند ذلك لا يستطيع عمه أن يُنكح ابنته من أحد إلا برضا ابن أخيه، فإن زوَّجها من غيره دون إذن منه أصبح مهددًا بالقتل من قبل ابن أخيه، كما أن الزوج نفسه يصبح عرضة للتنكيل.

وغالبًا لا تُستشار الفتاة عند خطبتها، ولا يؤخذ رأيها، وإنما الرأي المعتمد في ذلك هو رأي الولي وهو الأب ثم الأخ، فالعم، فابن الأخ، فابن العم، وأحيانًا يسألون قريباتهم من النساء مثل أمها وأختها وعمتها وخالتها، ويقوم هؤلاء بسؤال الفتاة والحصول على رضاها، فإذا سكتت كان ذلك علامة على قبولها، بينما الأيم (وهي الأرملة أو المطلقة) تملك الحق في اختيار زوجها.

وتسبق الزواج لدى سكان البادية مقدمات كما هي الحال لدى غيرهم من سكان القرى، وهذه المقدمات تتمثل في رسل يبعث بهم الخاطب إلى النساء من أهل خطيبته ليتعرف على رأيها، فإذا ما نجح الرسل في أداء مهمتهم يليهم وفد يأخذ رأي الأهل، ويقوم هذا الوفد بمهمته سرًا أيضًا، فإذا ما تم الرضا والقبول فعندئذ يتم إعلان الخطبة بوساطة كبار العشيرة، ويتألف وفد الخطبة الرسمي غالبًا من بعض الوجهاء في العشيرة. وفي اليوم الذي سوف تُعلن فيه الخطوبة بشكل رسمي يكون أهل الخاطب قد هيؤوا الطعام من سمن وجريش وذبيحة وما ماثل ذلك، فيأخذونه معهم إلى بيت والد الخطيبة، وبعد أن يشرب القوم القهوة في منـزل والد الفتاة يتكلم متقدم الجماعة تمهيدًا للوصول إلى غرضه وهو خطبة الفتاة، ثم يفاتح أهل الفتاة بالرغبة في خطبتها للشاب المعين.

أما بالنسبة إلى المهر فإن مقداره يختلف باختلاف القدرة المالية ومنـزلة الفريقين في العشيرة من الوجهة الاجتماعية، والمهور بوجه عام مرتفعة لدى ساكني البادية، وقد تُدفع نقدًا أو يُتفق على عدد معين من الإبل أو الخيل أو الغنم وفقًا للتراضي بين الفريقين، وبعد أن يتم الاتفاق على المهر يذبح أهل الخاطب ذبيحتهم ويطبخون ويولمون، وتكون الدعوة عامة لكل من حضر الخطبة.

يتألف (الجهاز) الذي تحمله الفتاة إلى بيت زوجها من سجادة وفراش وصندوق ثياب وأدوات زينة وما إلى ذلك، وهو يختلف باختلاف ثروتها أو ثروة أهلها.

وبعد أن تتم الاستعدادات الأولية لحفلة العرس يعلنون مباشرة الأفراح، ويجتمع الرجال ويؤلفون قافلة ويتجهون إلى بيت العروس، وقبل أن يصلوا يستقبل الرجالَ أولُ من يصادفهم من أقارب العروس فيستضيفهم ويولم لهم، أما النساء فيذهبن إلى بيت العروس لتهيئتها ويولم أحد أقارب الزوج للنساء، وفي صباح اليوم التالي يأخذون العروس بقافلة (قطار العرس) إلى بيت زوجها الذي بُني لها.

وعندما تُزف العروس إلى بعلها يقدِّم لها هدية، وفي اليوم التالي يتوارد المهنئون ويقدمون الهدايا المختلفة ويولمون، وبعد أسبوع من العرس تزور العروس أهلها وتأخذ من عريسها شيئًا تقدِّمه لهم، وبعد أن تقضي المدة التي تشاء عندهم تعود إلى بيت زوجها مزوَّدة بالهدايا من أهلها مشارقة، محمد زهير. الحياة الاجتماعية عند البدو، مرجع سابق، 119 - 121. .