ب - مرحلة التعليم المتقدم (طلب العلم):

في هذه المرحلة من التعليم يدرس الطالب على يد أحد علماء بلدته أو البلدات المجاورة، وأحيانًا لا يوجد في البلدة سوى عالم واحد، وقد يكون هو قاضي البلدة الذي يقوم بالتدريس دون مقابل بغية التقرب إلى الله بنشر العلم عن طريق الحلقات التي يعقدها كل يوم، ولا يلتحق بهذه الحلقات إلا الطالب الذي يمتلك القدرة على القراءة والكتابة إلى جانب حفظه لكتاب الله عز وجل، ولا تُشترط في هذه المرحلة سن معينة، فقد ينصرف الإنسان إلى كسب العيش فترة ثم يعود للانتساب إلى إحدى حلقات العلم إذا تحسن وضعه الاقتصادي، كما تتقدم سن طالب العلم وتتأخر بسبب عدم وجود عالم في البلدة، فإذا جاءها عالم انخرط الطلاب في الدراسة، ويُطلق على الدارسين في هذه المرحلة لقب (الخواصّ) نظرًا إلى أهميتها، بل أحيانًا كان يُنفَق على هؤلاء الطلبة من أوقاف البلدة.

أما بالنسبة إلى الحلقات الدراسية فقد كانت تضم الحلقة الواحدة مستويات متباينة من الطلاب فيوجد المبتدئون مع المتقدمين، ومن حق أي طالب علم الانضمام إلى حلقة العالم الذي يرغب في الدراسة عليه في أي وقت من السنة، وإذا أظهر طالب العلم تميزًا علميًا رفيعًا فغالبًا ما يقربه شيخه ويوليه عناية خاصة. أما عدد الطلاب في الحلقة الواحدة فكان يراوح بين عشرة طلاب وخمسة عشر طالبًا، وقد يقل العدد عن ذلك أو يكثر حسب مكانة الشيخ العلمية والكثافة السكانية في البلدة التي يدرس فيها الطالب.

وإتمام الدراسة في مرحلة طلب العلم غير محدد بفترة معينة أو بعدد من المقررات الدراسية، وإنما يُبنى على تقدير الشيخ لفهم تلميذه وإدراكه بعد قراءته على شيخه بعض كتب المذهب الحنبلي، وشعور الطالب بأنه أدرك مبتغاه من الدراسة على شيخه، وقد تطول مدة الدراسة أو تقصر وفقًا لمدى تفرغ الدارس لطلب العلم ورغبته في تحصيله، وعدد المشايخ الذين يأخذ عنهم، وعدد التخصصات العلمية التي يقوم بدراستها مي عبدالعزيز العيسى، الحياة العلمية في نجد منذ قيام دعوة الشيخ محمد بن عبدالوهاب وحتى نهاية الدولة السعودية الأولى، (الرياض: 1418 هـ)، 291 - 296. .