شـريـط الأخــبار:: مرحباً بكم في موسوعة المملكة العربية السعودية    
  البحــث
 
بحث متقدم


 
 

الصــور
السابق التالي
الخــرائط
السابق التالي
   
المنطقة: مكة المكرمة
الباب: الآثار والمواقع التاريخية
الفصل: آثار العصور الإسلامية
رئيس اللجنة العلمية: أ.د. عبدالعزيز بن سعود الغزّي (أستاذ علم الآثار القديمة بجامعة الملك سعود)
إعداد: أ.د. ناصر بن علي الحارثي (أستاذ الحضارة الإسلامية بجامعة أم القرى)
التحكيم العلمي: أ.د. عادل بن محمد بن نور غباشي (أستاذ علم الآثار والحضارة الإسلامية بجامعة أم القرى) - د. سامر بن أحمد سحله (أستاذ آثار الشرق الأدنى المساعد بجامعة الملك سعود)

الباب الثالث: الآثار والمواقع التاريخية

الصفحة الرئيسة » مكة المكرمة » الباب الثالث: الآثار والمواقع التاريخية » الفصل الثالث: آثار العصور الإسلامية » ثالثًا: العمارة » المباني المدنية

3 - المباني السكنية: لمزيد من التفاصيل، انظر: الباب الرابع، (الأنماط الاجتماعية والعادات والتقاليد)، الفصل الأول.  

بني بمنطقة مكة المكرمة كثير من الدور والقصور السكنية، وقد لوحظ من خلال المشاهدة الميدانية تنوع الدور والقصور السكنية في المواد الخام والتصميم، ويعزى ذلك إلى طبيعة المنطقة والحالة المالية لأصحاب هذه الدور والقصور، والتنوع في العادات والتقاليد الاجتماعية بين سكان المنطقة. ولذلك سنورد عند حديثنا عن هذا النوع من المنشآت المعمارية نماذج من مباني المنطقة، لنتعرف على أنماط تخطيط هذه الدور والقصور والشكل العام لها.

إن أقدم القصور في منطقة مكة المكرمة كانت قائمة في بعض محطات درب زبيدة، فقد كان الخلفاء يستريحون فيها أثناء مرورهم بهذا الدرب، سواء في قدومهم إلى مكة المكرمة من العراق، أو أثناء عودتهم إليها، وكذلك قصر واحد في رابغ شمال شرق الميقات على بعد كيلومترين اثنين منه تقريبًا، يعرف باسم قصر علياء، وقصران شمال شرق الحوية بالطائف أحدهما في المبعوث والآخر بالعرفاء.

وقد تهدمت هذه القصور ولم يبق إلا أطلالها أو بعض جدرانها الخارجية، كما هو الحال في قصور محطات درب زبيدة، وقصر علياء في رابغ، وقصرا المبعوث والعرفاء شرق الحوية. ولذلك لا نستطيع أن نقدم تصورًا تفصيليًا صحيحًا لتخطيط هذه القصور، ما لم ترفع مساحيًا، وكل ما يمكن قوله في هذا الصدد إن هذه القصور تماثل في تخطيطها القلاع العسكرية، والسبب في ذلك أنها بنيت على دروب الحجيج وطرق القوافل التجارية، لذا فقد أشير في بعض الدراسات إلى هذه القصور على أنها قلاع أو حصون، وهذا صحيح لأنها جمعت بين وظيفتي القصر والقلعة.

وقد بني معظم هذه القصور والقلاع في العهد العباسي، ثم أجريت عليها ترميمات بعد ذلك، أما بقية القصور فقد بنيت في الحكم العثماني وبخاصة في أواخره.

وعلى الرغم من كثرة ما بني من دور وقصور في مدن المنطقة وبخاصة في مكة المكرمة وجدة والطائف خلال العصر الإسلامي، فإن هذه القصور أزيلت تحت وطأة التوسع العمراني، أو رغبة أصحابها في تغيير وظيفتها من مسكن للأسرة إلى مسكن يؤجر للحجاج والمعتمرين والزوار والمواطنين. من هذه الدور دار الهناء التي أزيلت قبل بضع سنوات في حي الشامية بمكة المكرمة فقد كانت أقدم دار في منطقة مكة المكرمة ناصر بن علي الحارثي، أعمال الخشب المعمارية في الحجاز في العصر العثماني: دراسة فنية وحضارية. ط1، (الرياض: المهرجان الوطني للتراث والثقافة، 1423 هـ)، جـ1، 13 - 14؛ ناصر بن علي الحارثي، وهشام محمد علي عجيمي، «دار الهناء:قصر الملك فيصل في حي الشامية بمكة المكرمة 1030 - 1232 هـ/1614 - 1816م»، العصور، دار المريخ للنشر والتوزيع، مج9، جـ2، (الرياض، لندن: يناير 1994م/رجب 1414 هـ)، 66 - 113. ،   ومن أجمل الدور الإسلامية، وفيما يأتي وصف لما كانت عليه الدار:

تتكون الدار من ثلاث وحدات معمارية متلاصقة، كل وحدة تعود لفترة تاريخية معينة؛ لذا فإن الدار بوحداتها تعطينا تصورًا متكاملاً لنمط تخطيط الدور الإسلامية، وشكلها العام، إذ جمعت في تخطيطها وشكلها العام بين ثلاثة طرز رئيسة هي: الطراز المملوكي، والطراز العثماني، والطراز المكي. وتتكون هذه الدار من ثلاثة مبانٍ مختلفة في طرزها المعمارية عن بعضها، أقدمها المبنى الذي يقع في المؤخرة وهو مؤرخ في عام 1030هـ / 1621م، وأحدثها الذي في المقدمة، إذ يعود تاريخ إنشائه إلى عام 1232هـ / 1817م، أمـا المبنى الأوسط فيعود تاريخ بنائه إلى القرن الثالث عشر الهجري الحارثي، ناصر. أعمال الخشب المعمارية في الحجاز، مرجع سابق، جـ1، 13، 14. .  

وقد بنيت هذه الدار على مساحة غير منتظمة الأضلاع، مساحتها الإجمالية 1149.36م ، موزعة على ثلاثة مبانٍ، الذي في المؤخرة مساحته 428.02م ، والأوسط 297.44م ، والذي في المقدمة 423.90م . وتبعًا لذلك فقد اتسمت هذه الدار بكبر مساحتها، وتعدد أدوارها، وكثرة أفنيتها، وملاقفها جمع مَلْقَف، وهو ممر صغير أو فناء صغير غير مسقوف تطل عليه من جدرانه الأربعة شبابيك الغرف، الغرض منه إدخال الضوء والهواء، وهو مصطلح وثائقي ورد في الوثائق المملوكية بمعنى شبه المنور الصغير للتهوية، وقد يكون بمطبخ أو غيره. انظر:أمين، محمد، وليلى إبراهيم. المصطلحات المعمارية في الوثائق المملوكية، مرجع سابق، 115. ،   ودواوينها، وممراتها، وسلالمها، وغرفها، وقد انعكس ذلك على كثرة شبابيكها وأبوابها.

ووفقًا للترتيب التاريخي لمبانيها نبدأ في وصف المبنى الواقع في المؤخرة الذي يمكن الوصول إليه من خلال ممر متعرج في مقدمة المبنى الأوسط وفي جهته الشمالية، ينتهي ببوابة معقودة عرضها 2.60م وارتفاعها 3.39م تفضي إلى فناء مساحته 6.80×6.60م، ويدخل من جداره الشرقي إلى فناء أبعاده 6.5×3.90م، مفتوح جداره الشمالي بعقد مدبب بكامل الجدار، وتتوسط الفناء فسقية (نافورة)، كما يفتح على الديوان ثلاثة أبواب: الأول في الجدار الجنوبي، ويدخل منه إلى غرفة مساحتها 6.2×1م، يحف به خزانتان بابهما ورفوفهما من الخشب داخلتان في الجدار، والثاني يتوسط الجدار الشرقي عن الدّيوان، أمّا الثالث فيقع في منتصف الجدار الغربي.

وفي الجهة الشرقية ممر طوله ستة أمتار, وعرضه 1.20م، ويفتح على هذا الممر على يمين الداخل من الفناء باب عرضه متر ونصف المتر, يفضي إلى فناء مكشوف أيضا أبعاده 5.15×4.50م، بجداره الشمالي باب عرضه متر واحد يدخل منه إلى غرفة غير منتظمة الأضلاع مساحتها الإجمالية 30.88م يتوسطها عقد مدبب، ويكتنف بابها الذي يفضي إلى الفناء الثاني نافذتان عرض كل واحدة منهما متر واحد، تطلان على مخزن غير منتظم الأضلاع مساحته الإجمالية 4.40م .

أما على يسار الداخل إلى الممر من الفناء الثاني فيوجد باب عرضه 2.15م، ويدخل منه إلى الأدوار العلوية لهذا المبنى، ومن الجهة الجنوبية للفناء يوجد سلم صاعد إلى الأدوار نفسها، بجواره حمام أبعاده 1.60×1.30م. وتتكرر التقسيمات الداخلية لهذا المبنى في أدواره العلوية على نسق الدور الأرضي، فيما عدا بعض الاختلافات.

وفيما يتعلق بالمبنى الأوسط فيدخل إليه من باب في واجهته الغربية عرضه 1.60م معقود بعقد موتور يعلوه منور ويكتنف المدخل عقد مدبب بميمة، ومن باب صغير عرضه متر واحد بجداره الجنوبي، وبالنسبة إلى المدخل الرئيس الواقع في الجدار الغربي فيفضي إلى دهليز به بابان، أحدهما في الجدار الشرقي المقابل لباب المدخل الرئيس، ويدخل منه إلى ممر مستطيل الشكل أبعاده 7.50×4م، وملقف أبعاده 4.30×3.10م. وهذا الممر يفتح عليه ستة أبواب، بعضها يدخل منها إلى غرف مستطيلة الشكل، صغيرة الحجم، وبعضها يفضي إلى سلالم صاعدة، أما الباب الخارجي فيؤدي إلى دهليز مربع طول ضلعه ثلاثة أمتار بزاويته الجنوبية الشرقية توجد بئر دائرية قطر فتحتها 40سم، ثم ينحرف هذا الدهليز إلى ملقف طوله ستة أمتار، وعرضه 2.70م، على يمين الداخل منه قاعدة السلم الرئيس الصاعد للأدوار العلوية، كما تفتح بعض هذه الأبواب على ملاقف عديدة، ويتكرر هذا التصميم في الأدوار العلوية مع بعض الاختلاف، مثل: زيادة أربع غرف وثلاثة مراحيض وحمام بقبة في الدور الأول، وإنقاص عدد المراحيض إلى اثنين، وزيادة مساحة الحمام الرئيس، وإضافة ممرات في الدور الثاني، وأصبحت مساحة المجلس خارجة وكذلك مساحة المراحيض في الدور الثالث، أما في الدور الرابع فأصبح هناك ثلاث غرف، والمساحة المتبقية من المبنى أصبحت سطحًا مكشوفًا.

وفيما يتصل بالمبنى الثالث فيقع في الجزء الأكبر من واجهة الدار، ويدخل إليه من بوابة فخمة بالجدار الغربي المطل على الخارج تكتنفها مكسلتان (دكتان) للحراسة، إذ يدلف الداخل إلى دهليز مستطيل الشكل طوله 7.10م وعرضه 3.20م، يحف به من الجانبين الأيمن والأيسر مقعدان (تختبوشان) لفظة تركية تتألف من مقطعين، تخت: بمعنى ما ارتفع عن الأرض، وبوش: بمعنى فارغ، وفي المصطلح المعماري مقعد على جانبي دهليز المدخل وفي نهايته يرتفع عن أرضيته بمقدار 50سم، وله شبابيك مطلة على الشارع. انظر: الحارثي، ناصر، وهشام عجيمي، «دار الهناء»، العصور، مرجع سابق، مج9، جـ2، 94، 95.   مستطيلا الشكل، يطلان على الخارج من خلال شباكين بمصبعات من نوع رمانة، وينتهي هذا الممر بممر عرضي في صدره دكة صغيرة، وقد فتح في جداريه الجنوبي والشمالي بابان، الشمالي يفضي إلى المبنى الأوسط، أما الباب الجنوبي فيدخل منه إلى دهليز مستطيل الشكل، يفتح من الناحية الغربية على غرفة مستطيلة الشكل تطل على الخارج، ومن الناحية الشرقية على مرحاض، وسرداب ربما استخدم لخزن المؤن والأسلحة، أو لسجن المعارضين السياسيين إبان حكم الأشراف. أما في الطرف الشمالي من الجدار الشرقي فيوجد سلم صاعد إلى الأدوار العلوية، وعلى يساره غرفة مستطيلة الشكل تطل على الفناء الخلفي للمبنى.

أما بقية الدور والقصور، وبخاصة في مدن مكة المكرمة، وجدة، والطائف، فقد بنيت مجموعة منها في أواخر القرن الثالث عشر الهجري، فيما بني معظمها في القرن الرابع عشر الهجري، ولدينا نمطان من هذا النوع من المباني، النمط الأول يتميز بتعدد أدواره، حيث الداخل منه إلى دهليز بصدره درج يؤدي إلى الطوابق العلوية وعلى جانبيه مقعد أو أكثر لاستقبال الضيوف، إضافة لمرافق الخدمات. أما الأدوار العلوية فتتكون من مجالس واسعة وغرف نوم بدورات مياه، وقد أصبح هذا التخطيط سمة عامة لمباني مدن المنطقة الرئيسة، أما واجهاتها فتميزت بالرواشين، ولدينا من ذلك عدة نماذج: النموذج الأول واجهات يتوسطها رأسيًا روشن قاعدته فوق بوابة المدخل الرئيسة، وسطحه بنهاية سطح آخر طابق في المنـزل، ومن أمثلة ذلك في مكة المكرمة: منـزل عباس قطان، ووقف باناعمة الحارثي، ناصر. أعمال الخشب المعمارية في الحجاز، مرجع سابق، جـ2، اللوحات 104 - 107، 112، 113. ،   وفي جدة: منـزل نور ولي ، ومنـزل باعشن، ومنـزل نصيف ، ووقف الشافعي المرجع السابق، جـ2، 107، 112؛ عبدالله زاهر الثقفي، «الصناعات الخشبية المعمارية بمدينة جدة في العصر العثماني 923 - 1335 هـ/1517 - 1916م»، رسالة ماجستير غير منشورة، جامعة أم القرى، كلية الشريعة والدراسات الإسلامية، (مكة المكرمة: 1422 هـ/2001م)، اللوحات 26، 38، 40، 41، 46، 48. ،   وفي الطائف: قصر شبرا، ومجموعة أخرى من المنازل في وسط المدينة هاينز غاويه، وآخرون، الطائف التطور والبنية والمعمار في مدينة عربية ناهضة، ترجمة: غازي عبدالرحيم شنيك. ط1، (الرياض: مكتبة الملك عبدالعزيز العامة، 1419 هـ/1999م)، 155. .  

وفي النموذج الثاني يحتل الروشن كامل الواجهة، وقد ظهر هذا النموذج في قلة من المنازل في مدن المنطقة الرئيسة الحارثي، ناصر. أعمال الخشب المعمارية في الحجاز، مرجع سابق، جـ1، 93، 94. .  

أما النموذج الثالث فظهر في كثير من المباني، ويعد أقدم أنماط الرواشين في المنطقة، ويتمثل في تعدد الرواشين بالمبنى الواحد الفقيه، حسن. مواقع أثرية في تهامة: مخلاف عشم، مرجع سابق، 86. ،   سواء كانت رواشين صغيرة الحجم، أم كبيرة، أم متوسطة، ويعزى ذلك لكثرة الغرف بالمبنى الواحد وتعدد طوابقه، حيث صممت هذه المباني لأغراض تأجيرها في المواسم، أو استخدامها أربطة، وبخاصة في مكة المكرمة، وجدة، والطائف. أما في تهامة فشاع نوع من المباني التي بنيت بالقش المرجع السابق. ،   تعرف باسم (العشش)، فضلاً عن مبانٍ حجرية مكونة من غرفة واحدة تعرف باسم (دارة).

وأما النمط الثاني فتمثله الفلل التي تقع داخل أفنية واسعة، وتتكون غالبًا من دورين بملاحقهما، ومعظم هذه الفلل متأثرة في طرازها المعماري إلى حدٍّ كبير بالأساليب الفنية والمعمارية الأوروبية الوافدة.

السابق   التالي
جميع الحقوق محفوظة لمكتبة الملك عبد العزيز العامة © م