شـريـط الأخــبار:: مرحباً بكم في موسوعة المملكة العربية السعودية    
  البحــث
 
بحث متقدم


 
 

الصــور
السابق التالي
الخــرائط
السابق التالي
   
المنطقة: عسير
الباب: التطور التاريخي
الفصل: العصر الإسلامي
رئيس اللجنة العلمية: أ. د. محمد بن سليمان الخضيري ( أستاذ التاريخ الحديث والمعاصر بجامعة الإمام محمد بن سعود الإسلامية )
إعداد: أ. د. غيثان بن علي بن جريس ( أستاذ التاريخ بجامعة الملك خالد )
التحكيم العلمي: أ. د. ضيف الله بن يحيى الزهراني ( أستاذ التاريخ والحضارة الإسلامية بجامعة أم القرى ) - أ. د. محمد بن سعيد الشعفي ( أستاذ التاريخ الحديث للمملكة العربية السعودية ومنطقة الخليج بجامعة الملك سعود ) - د. حميد بن إبراهيم المزروع ( أستاذ علم الآثار القديمة المشارك بجامعة الملك سعود )

الباب الثاني: التطور التاريخي

الصفحة الرئيسة » عسير » الباب الثاني: التطور التاريخي » الفصل الثاني: العصر الإسلامي » أولاً: مصطلح 'عسير' في المصادر الإسلامية

الفصل الثاني: العصر الإسلامي

أولاً: مصطلح "عسير" في المصادر الإسلامية

الثابت في المصادر الجغرافية والتاريخية وكتب التراث الإسلامي عدم ذكر عسير بهذه التسمية بوصفها وحدة مستقلة عن الحجاز أو اليمامة أو البحرين أو اليمن، وتعد إداريًا تابعة لدار الخلافة في المدينة المنورة، ثم دمشق وبغداد أيام الأمويين والعباسيين.

وفي هذا الصدد يشير الهمداني (280 - 334هـ / 893 - 945م) إلى اسم عسير، ويذكر ما نصه:

"ويصالي قصبة جرش أوطان حزيمة من عنـز، ثم يواطن حزيمة من شاميها عسير قبائل من عنـز، وعسير يمانية تنـزرت ودخلت في عنـز، فأوطان عسير إلى رأس تية، وهي عقبة من أشراف تهامة، وهي: أبها وبها قبر ذي القرنين فيما يقال، عُثِرَ عليه في رأس ثلاثمئة من تاريخ الهجرة، والدارة، والفتيحاء، واللصبة، والملحة، وطبب، وأتانة، وعبل، والمغوث، وجرشة، والحدبة، هذه أودية عسير كلها... " الحسن بن أحمد الهمداني، صفة جزيرة العرب، تحقيق: محمد بن علي الأكوع، (الرياض: منشورات دار اليمامة للبحث والترجمة والنشر، 1397 هـ / 1977م)، 256. .  

وفي موضع آخر يذكر الهمداني ما يلي:

"والدارة، وأبها، والحللة، والفتيحاء، فحمرة، وطبب، فأتانة، والمغوث، فجرشة، فالأيداع: أوطان من عسير من عنـز، وتسمى هذه أرض الطود... " المرجع السابق. .  

والشيء المميز في هذه المعلومات التي أوردها الهمداني هو قِدَمها الذي يعود إلى بداية القرن الرابع الهجري / العاشر الميلادي، وما عدا ذلك فإنها غير كافية في توضيح تسمية بلاد عسير، وإنما أوردها ضمن عنوان سماه (جرش وأحوازها) وبمعرفة موقعها من سياق الحديث في ذكر المواطن التي أشار إليها الهمداني، نجدها تشغل مساحة صغيرة من مخلاف (إقليم) جرش الذي كان يشمل أغلب أجزاء عسير السروية في وقتنا الحاضر غيثان بن علي بن جريس، ''تاريخ مخلاف جرش عسير خلال القرون الإسلامية الأولى''، مجلة العصور، دار المريخ للنشر والتوزيع، ع9، جـ1، (الرياض: 1414 هـ / 1994م)، 63-78؛ غيثان بن علي ابن جريس، دراسات في تاريخ تهامة والسراة خلال العصور الإسلامية المبكرة والوسيطة من القرن الأول الهجري ق10 هـ / ق7م - ق 16م، (الرياض: مطابع العبيكان، 1424 هـ / 2003م)، جـ1، 93-126. ،   ولم تكن عسير في عهد الهمداني تشغل إلا جزءًا بسيطًا، تمثله المواقع القائمة عليها الآن مدينة أبها وما حولها، أو ما يسمى بمواطن قبائل عسير المعروفة باسم: بني مغيد، وعلكم، وربيعة ورفيدة، وبني مالك غيثان بن علي بن جريس، أبها حاضرة عسير: دراسة وثائقية، (الرياض: مطابع الفرزدق، 1417 هـ / 1997م)، 14 - 87. .  

وبعد الهمداني جاء عدد من الجغرافيين والرحالة المسلمين الأوائل فأشاروا إلى أجزاء من منطقة عسير دون تسميتها بهذا الاسم، فبعضهم ذكر أقسام شبه الجزيرة العربية بما فيها أجزاء من منطقة عسير وضموها إلى بلاد الحجاز، كما سماها بعضهم بسلسلة جبال الحجاز لمزيد من الاطلاع، انظر: صالح أحمد العلي، ''تحديد الحجاز عند المتقدمين''، مجلة العرب، (1388 هـ / 1978م)، جـ1، 1-9؛ عبدالله الوهيبي، ''الحجاز كما حدده الجغرافيون العرب ''، مجلة كلية الآداب، جامعة الرياض، (الرياض: 1390 هـ / 1970م)، جـ1، 53 - 70. ،   وبخاصة القسم الجبلي من السلسلة، وهي جزءٌ من بلاد السراة، وسماها آخرون السروات، وهي سلسلة أُطلق عليها تسميات كثيرة حسب أقسامها، فمنها: سراة جنب، وسراة عنـز، وسراة الحجر، وسراة خثعم، وسراة دوس، وسراة بجيلة، ثم استمروا في ذكر سروات أخرى حتى الطائف الهمداني، الحسن بن أحمد. صفة جزيرة العرب، مرجع سابق، 119، 120، 261 - 279؛ شمس الدين أبو عبدالله المقدسي، أحسن التقاسيم في معرفة الأقاليم، تحقيق: أم. دي. غوي، (ليدن: مطبعة بريل، 1877م)، 104. ،   وقد أوضح لنا هذا التركيز - من جانب بعض الجغرافيين الذين أوردوا اسم السروات - مجموعة أسماء السروات التي تقع في إقليم عسير في عصرنا الحاضر، وهي: سراة جنب (قحطان)، وسراة عنـز (عسير وشهران)، وسراة الحجر (والمقصود بها: بلاد بللحمر، وبللسمر، وبنو شهر، وبنو عمر)، وسراة خثعم (وهي أجزاء من بلاد بلقرن وشمران وخثعم وعليان)، دون أن يرد ذكر اسم عسير على وجه الإطلاق في التسمية غيثان بن علي بن جريس، ''بلاد تهامة والسراة كما وصفها الرحالة الجغرافيون المسلمون الأوائل من القرن 3 هـ - ق 8 هـ''، مجلة المؤرخ العربي، ع2، (1994م)، جـ1، 73 - 100. ،   وفي روايات أخرى ذكر مصطلح مخاليف أو نواحٍ، كأن يقال: مخلاف جرش، أو تبالة (في الأجزاء الجبلية السروية)، ومخلاف بارق أو حلي أو قنونا، وغيرها من الأسماء (في الأجزاء التهامية)، أو نجران أو حلي أو تهامة وغيرها من الأسماء، دون ذكر اسم عسير على تلك النواحي أو المخاليف انظر: أحمد بن أبي يعقوب اليعقوبي، كتاب البلدان، تحقيق: أم. دي. غوي، (ليدن: مطبعة بريل، 1891م)، 314 - 320؛ أبوالقاسم عبيد الله بن خرداذبة، كتاب المسالك والممالك، تحقيق: أم. دي. غوي، (ليدن: مطبعة بريل، 1306 هـ / 1889م)، 133 - 139. .  

والواقع أن ما يشتمل عليه مصطلح إقليم عسير الحالي لم يكن معروفًا لدى المؤرخين والجغرافيين الأوائل، وإنما كانت الولايات الكبرى لشبه الجزيرة العربية جميعها - ومنها: اليمن، والحجاز، واليمامة، والبحرين - تابعة لدار الخلافة الإسلامية في دمشق ثم بغداد. وكثيرًا ما كانت تشمل الأجزاء الداخلية في بلاد تهامة والسراة، أو البلاد الواقعة بين مكة المكرمة والطائف شمالاً. وكانت حواضر جنوب الجزيرة العربية الكبرى كلها تخضع في بعض الأحيان لسلطة شيوخ القبائل المحليين في تلك الأجزاء، ونستنتج من ذلك أن بلاد عسير بما حولها من المناطق لم تكن لها حدود سياسية ثابتة، وإنما كانت تعتمد على المفهوم الجغرافي، فعسير لم تكن معروفة بوصفها وحدة إداريـة خـلال العصور الإسلامية المبكرة والوسيطة، لكنها تمتعت باستقلال إداري عن غيرها من مناطق الجزيرة العربية، وهذا يتفق مع وحدتها الجغرافية المتميـزة بموقعها، وصعوبة تضاريسها؛ مما جعلها في مأمن من الطامعين فيها من قِبل حكام الإمارات المجاورة لها التي أعلنت استقلالها إبان العصور الوسطى، وقد حاول بعضها بسط سيطرتها عليها، لكن هذه السيطرة سرعان ما زالت بسبب شدة مراس أهلها وأنفتهم، وعدم خضوعهم لغيرهم، إلى جانب كثرتهم ووعورة المنطقة وصعوبة مسالكها للمزيد من التفصيلات عن الإمارات التي ظهرت في اليمن والحجاز خلال العصور الإسلامية المبكرة والوسيطة، ثم محاولة حكامها مد نفوذهم على بلاد عسير: انظر: عبدالله بن عبدالكريم الجرافي، المقتطف من تاريخ اليمن، (بيروت: منشورات العصر الحديث، 1407 هـ / 1987م)، 97 - 152؛ أحمد السباعي، تاريخ مكة. ط4، ''مكة المكرمة: مطبوعات نادي مكة الثقافي، 1399 هـ / 1979م''، 177 - 318. .  

ولقد ظهر اسم عسير مصطلحًا سياسيًا وجغرافيًا في أواخر القرن الثاني عشر وبداية القرن الثالث عشر للهجرة / الثامن عشر الميلادي، وبخاصة عند الكتّاب الغربيين، ومنهم الإنجليز، حيث كلفت الإدارة البريطانية القسم الجغرافي والمخابرات البحرية البريطانية بإعداد بحث عن عسير يتضمن موقعها وحدودها، ومظاهر الطبيعة المختلفة فيها، وأحوال السكان من حيث العادات وطرق العيش، وأشار البحث إلى أن اسم عسير اقتصر على التلال الرئيسة، وبخاصة المنطقة التي تعيش فيها قبائل بني مغيد، وعلكم، وبنو مالك، وربيعة ورفيدة، وجميعهم يسكنون حول مدينة أبها بمسافات متفاوتة، وحتى ذلك الحين لا تعرف تلك القبائل حدودًا معروفة وثابتة لعسير علي أحمد عسيري، عسير من 1249 هـ / 1833م- 1289 هـ / 1872م، (أبها: مطبوعات نادي أبها الأدبي، 1407 هـ / 1987م)، 26 - 32؛ غيثان بن علي بن جريس، صفحات من تاريخ عسير، (الرياض: مطابع العبيكان، 1425 هـ / 2004م)، جـ1، 15 - 17. .  

وتلت هذه الدراسة دراسات كثيرة رسمت صورة أوضح للحدود الجغرافية للإقليم العسيري، وهي دراسات يشير بعضها إلى حدود عسير في نطاق محيط القبائل العسيرية المشهورة، وهي: بنو مغيد وعلكم وبنو مالك وربيعة ورفيدة، في حين أن هناك كتابات أخرى أضافت بلادًا أخرى إلى محيط القبائل السالفة الذكر، وأضاف آخرون بعض القبائل المجاورة والقريبة من بلاد عسير من الشمال فتمتد إلى القنفذة (قنونا) والليث وغامد وزهران وبيشة، ومن الجنوب إلى ظهران الجنوب. وقد نتج هذا التباين من الأحداث السياسية والعسكرية التي عاشتها منطقة عسير خلال القرون المتأخرة الماضية. فالإمارة في أبها امتد نفوذها إلى مناطق أبعد من المدينة نفسها، ما أصبغ عليها وعلى المنطقة المحيطة بها اسم عسير، وبهذا تم تحديدها وتسميتها بهذا الاسم ليشمل المنطقة الممتدة من جنوب زهران شمالاً إلى ظهران الجنوب جنوبًا في المناطق السروية، ومن شمال جازان جنوبًا إلى جنوب القنفذة (قنونا) في النواحي التهامية شمالاً، بناءً على المفهوم السياسي والتاريخي للمنطقة دون المفهوم الجغرافي عسيري، علي أحمد. عسير من 1249 هـ / 1833م - 1289 هـ / 1872م، مرجع سابق، 32-62. .  

والنتيجة التي نصل إليها أن "عسير" - بوصفها منطقة - لم تكن معروفة بهذا الاسم في العصور الإسلامية الوسطى، وإنما هو مصطلح حديث لم يتجاوز تاريخ ظهوره أكثر من قرنين ونصف قرن.

وفي إطار هذا المفهوم لبلاد عسير الحديثة سوف نناقش تاريخها خلال العصور الإسلامية المبكرة والوسيطة، على أنها تسمى عادة بلاد تهامة والسراة، وأحيانًا مخلاف جرش. فإذا نظرنا إلى حدودها الجغرافية الممتدة من شمال جازان ونجران جنوبًا إلى بلاد غامد وزهران (دوس)، والقنفذة (قنونا) شمالاً؛ فإنه يطلق عليها مصطلح (تهامة والسراة). وإن حصرنا حدودها على ما تمت الإشارة إليه فإنها تشمل فقط حاضرتي أبها وخميس مشيط وما حولهما من القرى والمدن، فلم تعرف في كتب التراث الإسلامي إلاّ باسم مخلاف جرش.

والمقصود ببلاد تهامة والسراة في المصادر الإسلامية تلك المنطقة الممتدة من قرب غامد وزهران شمالاً إلى جازان ونجران جنوبًا. وتهامة عسير هي جزء من بلاد تهامة والسراة المشار إليها في كتب التراث التي قد تمتد شمالاً إلى المدينة المنورة أو بلاد الشام، وجنوبًا إلى حواضر اليمن الكبرى. وسراة الشيء في اللغة أعلاه وظهره ووسطه، ويذكر عن بلاد السراة أنها سلسلة الجبال المتصلة المشرفة على عرفة وتمتد إلى حواضر اليمن للمزيد عن بلاد تهامة والسراة، من حيث حدودها، وخطوط الطول والعرض بها، وبعض ما قيل عن دورها الحضاري في بعض كتب التراث الإسلامية المبكرة، انظر: الهمداني، الحسن بن أحمد، صفة جزيرة العرب، مرجع سابق، 58، 59، 98 ـ 100؛ محمد بن عبدالله الإدريسي، كتاب نزهة المشتاق في اختراق الآفاق، (بيروت: عالم الكتب، 1409 هـ / 1989م)، جـ1، 136 ـ 156؛ حمد الجاسر، في سراة غامد وزهران، (الرياض: دار اليمامة للبحث والترجمة والنشر، 1391 هـ / 1971م)، 353 ـ 366؛ غيثان بن علي بن جريس، ''بلاد السراة من خلال كتاب صفة جزيرة العرب للهمداني''، مجلة الدارة، دارة الملك عبدالعزيز، س19، ع3، (الرياض: 1414 هـ / 1993م)، 76 ـ 111. .  

ويشير بعض الجغرافيين المسلمين المتقدمين إلى أن تلك الجبال الممتدة من حواضر الحجاز الكبرى إلى حواضر اليمن يطلق عليها جبال السروات، ويطلق على سكانها: أهل السرو أو السرويون، وربما أطلق على هذه الجبال اسم الحجاز؛ لأنها تحجز بين تهامة في الغرب ونجد في الشرق انظر تفصيلات أكثر في: الوهيبي، عبدالله، ''الحجاز كما حدده الجغرافيون العرب''، مجلة كلية الآداب، جامعة الرياض، مرجع سابق، 53 - 70؛ العلي، صالح أحمد، ''تحديد الحجاز عند المتقدمين''، مجلة العرب، مرجع سابق، 1-9؛ ابن جريس، غيثان، ''بلاد السراة من خلال كتاب صفة جزيرة العرب''، مجلة الدارة، مرجع سابق، س19، ع3، 76 - 100. .  

ويبدو أن حدود جبال السروات أو الحجاز صارت مثار جدل واختلاف عند الجغرافيين المسلمين. بيد أن الذي يهمنا في هذا الصدد هو أن بلاد السراة (العسيرية) المعنية هنـا، عرفت باسم السروات، ومفردها سراة، وبهذه المنطقة سروات كثيرة. ويسكن هذه السروات عدد من القبائل والعشائر والأفخاذ، ومن ثَمَّ فقد كانت وما زالت كل سراة تنسب إلى القبيلة أو العشيرة التي تقطنها، وإن كان معظم سكان تلك السروات يسكنون المرتفعات أو السروات التي تفصل بين الأجزاء التهامية والنجدية، إلا أن بعض الأفخاذ والعشائر كانت ترحل عـن مواطنها في السروات ابن جريس، غيثان، دراسات في تاريخ تهامة والسراة، مرجع سابق، جـ1، 25؛ غيثان بن علي بن جريس، ''بلاد تهامة والسراة منذ فجر الإسلام حتى السنة الثانية عشرة للهجرة ''، المجلة التاريخية المصرية، ع38، (مصر: 1991 - 1995م)، 41 - 65. ،   وتنـزل الأغوار التهامية في الغرب أو الأجزاء النجدية في الشرق.

السابق   التالي
جميع الحقوق محفوظة لمكتبة الملك عبد العزيز العامة © م